فصل: فصل (في سقوط فرض الزكاة بقبض الإمام لها):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل [فيمن يتولى تفريق الزكاة]:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وُجُوبِ مَصْرِفِهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهِمْ لَمْ يَخْلُ حَالُ رَبِّ الْمَالِ يَتَوَلَّى تَفْرِيقَ الزكاة بِنَفْسِهِ، أَوْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ؟ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِيقَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ سَقَطَ مِنْهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ لَا عَمَلَ لَهُمْ فِيهَا، وَقَسَمَ عَلَى سَبْعَةِ أَصْنَافٍ إِنْ وُجِدُوا، فَإِنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهِمْ ضُمِنَ سَهْمُهُمْ مِنْهَا وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ سَاعِيهِ، كَانَتْ يَدُهُ يَدًا لَأَهْلِ السُّهْمَانِ بِنِيَابَتِهِ عَنْهُمْ وَوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ حُصُولُهَا فِي يَدِ الْإِمَامِ، أَوْ سَاعِيهِ مُسْقِطًا لِفَرْضِهَا عَنْ رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُفَرِّقَ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَيَكُونُوا ثَمَانِيَةً، يُدْخِلُ فِيهِمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا إِنْ عَمِلُوا فِيهَا، أَوْ يَدْفَعُ كُلَّ صَدَقَةٍ إِلَى صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ: لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ إِذَا جُعِلَتْ بِيَدِهِ صَارَتْ كَالصَّدَقَةِ الْوَاحِدَةِ.

.مسألة [في صرف الزكاة في بلد المال]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ بَلَدٍ وَفِيهِ أَهْلُهُ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ: فَإِنْ أَجَابُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، زَكَاةُ الْأَمْوَالِ يَجِبُ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْهُ، فَإِنْ نُقِلَتْ فَقَدْ أَسَاءَ نَاقِلُهَا، وَفِي إِجْزَائِهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مُسِيئًا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي نَقَلَهَا إِلَيْهِ أَمَسَّ حَاجَةً، فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مُسِيئًا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ نَقْلُهَا وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ. فَإِذَا قِيلَ بِالْأَوَّلِ أَنَّهُ يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَدَلِيلُهُ قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيَّ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فَأَعِنِّي، فَقَالَ: نُؤَدِّهَا عَنْكَ إِذَا قَدَّمْتَ لَنَا نَعَمَ الصَّدَقَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ تُحْمَلُ إِلَيْهِ صَدَقَاتُ الْبِلَادِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ حَمَلَ صَدَقَةَ قَوْمِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِخَمِيسٍ، أَوَلَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُنْقَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةُ الْيَمَنِ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَزِمَ إِخْرَاجُهُ لِلطُّهْرَةِ لَمْ يُخْتَصَّ بِبَلَدِهِ كَالْكَفَّارَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْوُجُوبِ جَازَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْوُجُوبِ. إِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي إِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَصَحُّ، فَدَلِيلُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ فِي أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ. فَجَعَلَ وُجُوبَ أَخْذِهَا مِنْ أَغْنِيَاءِ الْيَمَنِ مُوجِبًا لِرَدِّهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْيَمَنِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِهَا عَنْ بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ إِلَى غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ نَقْلِهَا إِلَى غَيْرِ الْيَمَنِ. قِيلَ لَمَّا جَعَلَ مَحَلَّ الْوُجُوبِ مَحَلَّ التَّفْرِقَةِ اقْتَضَى أَنْ يَتَمَيَّزَ فِيهَا بِلَادُ الْيَمَنِ كَمَا يَتَمَيَّزُ بِهَا جَمِيعُ الْيَمَنِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَوَّزَ نَقْلَهَا سَوَّى فِي الْجَوَازِ بَيْنَ الْإِقْلِيمِ الْوَاحِدِ وَالْأَقَالِيمِ، وَمَنْ مَنَعَ مِنْ نَقْلِهَا سَوَّى فِي الْمَنْعِ بَيْنَ الْإِقْلِيمِ الْوَاحِدِ وَالْأَقَالِيمِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إِلَى غَيْرِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ. فَجَعْلُهُ النُّقْلَةَ عَنِ الْمَكَانِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ يَمْتَنِعُ مِنْ نَقْلِهَا عَنْهُ، وَذَلِكَ صَادِرٌ عَنْهُ بِالْأَمْرِ الَّذِي تَقَدَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ، فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ عَنْهُ نَصًّا، وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى الْأَبْدَانِ. وَالثَّانِي: فِي الْأَمْوَالِ. فَلَمَّا كَانَ فِي حُقُوقِ الْأَبْدَانِ مَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ مَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَهُوَ الزَّكَاةُ، وَلِأَنَّ اخْتِصَاصَ الزَّكَاةِ بِالْمَكَانِ كَاخْتِصَاصِهَا بِأَهْلِ السُّهْمَانِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا عَنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا عَنِ الْمَكَانِ. وَأَمَّا الْأَجْوِبَةُ عَنْ دَلَائِلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَالْآيَةُ قَصْدُهَا بَيَانُ أَهْلِ السُّهْمَانِ دُونَ الْمَكَانِ فَلَمْ يُعْدَلْ بِهَا عَنْ مَقْصُودِهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا عَلَى مَا فِي سَوَادِ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّدَقَاتِ، أَوْ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ فِي بَلَدِ الْمَالِ مُسْتَحِقٌّ لَهَا. وَأَمَّا قَوْلُ مُعَاذٍ «ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ»، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَالِ الْجِزْيَةِ: لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ يُصْرَفُ إِلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ وَلَا تُصْرَفُ إِلَيْهِمُ الزَّكَاةُ. وَأَمَّا نَقْلُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَفِيهِ أَجْوِبَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْمُهُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَفِي سَوَادِهَا فَنَقَلَ زَكَاتَهُمْ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَقَلَهَا وَمُسْتَحِقُّوهَا بِالْمَدِينَةِ لِيَتَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْمَهَا فِيهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَظْهَرَ الطَّاعَةَ بِنَقْلِهَا لاسيما وَقَدْ مَنَعَ النَّاسُ الزَّكَاةَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدَّهَا إِلَيْهِ لِيُفَرِّقَهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ فِي الْجَوَازِ مَا جَعَلُوهُ فَرْقًا بَيْنَهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَكْرَهُوا نَقْلَ الْكَفَّارَةِ. وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَازِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَنْتَفِعُ أَهْلُ الْبَلَدِ بِإِقَامَتِهَا فِيهِمْ وَيَنْتَفِعُ أَهْلُ الْبَلَدِ بِتَفْرِيقِ الزَّكَاةِ فِيهِمْ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ حَقٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ حَقٌّ.

.فصل [في مراعاة مكان المال في زكاة المال]:

فَإِذَا تَقَرَّرَ اخْتِصَاصُ الزَّكَاةِ بِمَكَانِهَا وَوُجُوبُ تَفْرِيقِهَا فِي نَاحِيَتِهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّكَاةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ زَكَاةَ مَالٍ، أَوْ زَكَاةَ فِطْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ فَالْمُرَاعَى فِيهَا مَكَانُ الْمَالِ لَا مَكَانُ الْمَالِكِ، فَلَوْ كَانَ فِي نَاحِيَةٍ وَمَالُهُ فِي أُخْرَى في أي الناحيتين يوزع زكاة ماله؟ كَانَ نَاحِيَةُ الْمَالِ وَمَكَانُهُ أَحَقَّ بِتَفْرِيقِ زَكَاتِهِ فِيهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَالِكِ، ثُمَّ فِي نَاحِيَةِ الْمَالِ الَّتِي هِيَ أَحَقُّ بِتَفْرِيقِ زَكَاتِهِ فِيهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا مِنَ الْمَالِ لِمَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ: لِأَنَّهَا مَسَافَةُ الْإِقَامَةِ الَّتِي لَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ فَكَانَتْ حَدًّا لِمُسْتَحَقِّ الزَّكَاةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ وَمَا أَحَاطَ بِهِ بِبِنَائِهِ دُونَ مَا خَرَجَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ زَرْعٍ وَثَمَرٍ فِي صَحْرَاءَ لَا بُنْيَانَ فِيهَا فَفِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ وَالْبُنْيَانِ إِلَيْهَا، وَسَوَاءً كَانَ الْبَلَدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يَكُونُ جَمِيعُ أَهْلِ الْبَلَدِ مُسْتَحِقِّينَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ نَاضٍّ، فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ صَغِيرًا فَجَمِيعُ أَهْلِهِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ وَاسِعًا كَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ كَانَ جِيرَانُ الْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَخَصَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى أَوْ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَوْلَى بِهِمَا لِأَجْلِ الْجِوَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَحَقَّ، فَإِنْ فُرِّقَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَجْزَأَ وَإِنْ عُدِلَ عَنِ الْأَوْلَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ فُرِّقَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَمْ يُجْزِهِ، وإِذَا قِيلَ إِنَّ نَقْلَ الزَّكَاةِ لَا يُجْزِئُ لِقوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النِّسَاءِ: 36]، يَعْنِي: الْجَارُ ذِي الْقُرْبَى الْجَارَ الْقَرِيبَ فِي نَسَبِهِ وَبِالْجَارِ الْجُنُبِ الْبَعِيدَ فِي نَسَبِهِ، فَاعْتُبِرَ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ الْجِوَارُ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الَّذِي يَلْزَمُكَ وَيَصْحَبُكَ رَجَاءَ نَفْعِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا الزَّوْجَةُ الَّتِي تَكُونُ إِلَى جَنْبِكَ [وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ]. هَذَا إِذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُفَرِّقَ لِزَكَاتِهِ، فَأَمَّا إِنْ فَرَّقَهَا الْإِمَامُ أَوْ عَامِلُهُ فَجَمِيعُ أَهْلِ الْبَلَدِ فِيهَا سَوَاءٌ، لِمَا فِي مُرَاعَاةِ الْإِمَامِ لِذَلِكَ مَعَ اجْتِمَاعِ الزَّكَوَاتِ بِيَدِهِ فِي الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا، فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ، أيُرَاعَى فِيهِ بَلَدُ الْمَالِ أَمْ بَلَدُ الْمُزَكِّي؟ فَإِنْ كَانَ مَالُ الْمُزَكِّي فِي بَلَدٍ أَخْرَجَهَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَاعَى فِيهِ بَلَدُ الْمَالِ لَا بَلَدُ الْمُزَكِّي؛ لِتَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِالْمَالِ، فَكَانَ بَلَدُ الْمَالِ أَحَقَّ أَنْ يُرَاعَى كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُرَاعَى فِيهِ بَلَدُ الْمُزَكِّي: لِأَنَّهَا عَنْهُ لَا عَنْ مَالِهِ، فَكَانَ بَلَدُهُ أَنْ يُرَاعَى إِخْرَاجُهَا فِيهِ أَوْلَى مِنْ بَلَدِ مَالِهِ.

.مسألة: تُرَدُّ حِصَّةُ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتُرَدُّ حِصَّةُ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّكَاةَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانُوا هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا أَنْ يُفَرِّقَهَا رَبُّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ، أَوْ يَدْفَعَهَا إِلَى عَامِلِ الْإِمَامِ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَرَّقَهَا رَبُّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ سَقَطَ مِنْهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا لِفَقْدِ عَمَلِهِمْ فِيهَا وَوَجَبَ قَسْمُهَا عَلَى الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةٍ لَا يُفَضِّلُ صِنْفًا عَلَى سَهْمِهِ وَإِنْ كَانُوا أَمَسَّ حَاجَةً وَلَا يَنْقُصُ صِنْفًا عَنْ سَهْمِهِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ حَاجَةً: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ وَقَطَعَ الِاجْتِهَادَ فِيهَا بِتَفْضِيلٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، فَإِنْ فَضَّلَ صِنْفًا عَلَى غَيْرِهِ كَانَ التَّفْضِيلُ مُتَطَوَّعًا وَضُمِنَ لِلْمَفْضُولِ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنَ الْفَضْلِ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ جَمِيعَ سَهْمِهِ صَارَ لِجَمِيعِهِ ضَامِنًا. فَأَمَّا سَهْمُ كُلِّ صِنْفٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَفْرِيقِهِ فِي جَمِيعِ الصِّنْفِ كَانَ أَوْلَى وَإِنْ فَرَّقَهُ فِي بَعْضِ الصِّنْفِ أَجَزَأَهُ إِذَا فَرَّقَهُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ فَصَاعِدًا وَلَا يُجْزِئُهُ إِنْ يُفَرِّقْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِذَا وُجِدُوا لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَالتَّفْضِيلِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْحَاجَةِ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَاضَلَ أَجَزَأَ وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْحَاجَةِ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَوْ سَوَّى أَجَزَأَهُ، فَلَوْ فَرَّقَ سَهْمَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَدَفَعَهُ إِلَى اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ الثَّالِثِ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ أَجَزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ وُجُودِهِ ضَمِنَ حِصَّةَ الثَّالِثِ وَفِي قَدْرِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ ثُلُثَ ذَلِكَ السَّهْمِ اعْتِبَارًا بِالتَّسَاوِي فِيهِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ قَدْرَ الْأَجْزَاءِ وَهُوَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَوْ أَعْطَاهُ ثَالِثًا أَجْزَأَهُ.

.فصل [في سقوط فرض الزكاة بقبض الإمام لها]:

وَإِذَا دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا بِقَبْضِ الْإِمَامِ الزكاة: لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي فَرْضِهَا فَصَارَتْ يَدُهُ كَأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا قَدْ سَقَطَ مِنْهَا لِفَقْدِ عَمَلِهِمْ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهُ: لِأَنَّ نَظَرَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّدَقَاتِ وَإِنْ تَوَلَّاهَا فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِيهَا سَهْمًا وَإِنَّمَا هُوَ عَامُّ النَّظَرِ وَرِزْقُهُ فِي مَالِ الْغَيْرِ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إِمَّا أَنْ يُفَرِّقَ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ وَيُفَرِّقَهَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، ثُمَّ يُفَاضِلُ بَيْنَ كُلِّ صِنْفٍ، أَوْ يُسَاوِي وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ صَدَقَةٍ إِلَى أَحَدِ الْأَصْنَافِ فَيُرَاعِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِصِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ فَلَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ، ضَمِنَ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ لَا فِي مَالِ نَفْسِهِ قَدْرَ سَهْمِهِمْ مِنْ تِلْكَ الصَّدَقَاتِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ رَبَّ الْمَالِ الَّذِي لَا يَضْمَنُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ.

.فصل [في سقوط فرض الزكاة بدفعها إلى العامل عليها]:

وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْعَامِلِ أَجَزَأَهُ وَكَانَ سَهْمُ الْعَامِلِ فِيهَا ثَابِتًا، أداء الزكاة فَإِنْ فَوَّضَ الْإِمَامُ إِلَيْهِ جِبَايَتَهَا وَتَفْرِيقَهَا أَخَذَ سَهْمَ الْجِبَايَةِ وَالتَّفْرِيقِ وَفَعَلَ فِيهَا مِثْلَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ، إِلَّا أَنَّ خِيَارَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: بَيْنَ أَنْ يُفَرِّقَ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَبَيْنَ أَنْ يَجْمَعَ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ وَيَصْرِفَهَا فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِكُلِّ صَدَقَةٍ صِنْفًا كَالْإِمَامِ: لِأَنَّ نَظَرَ الْعَامِلِ خَاصٌّ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا عَلَى مَا جَبَاهُ وَرُبَّمَا صُرِفَ فَلَمْ يَقْضِ بَاقِيَ الْأَصْنَافِ وَإِنِ اقْتَصَرَ الْإِمَامُ بِالْعَامِلِ عَلَى جِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ دُونَ تَفْرِيقِهَا أَخَذَ الْعَامِلُ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ مِنَ الْجِبَايَةِ دُونَ التَّفْرِقَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ أَنْ يُفَرِّقَهَا، فَإِنْ فَرَّقَهَا ضَمِنَ مَا فَرَّقَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَكَانَ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَتَوَلَّى تفريق الزكاة وَبَيْنَ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْ عُمَّال الصَّدَقَات تَفْرِيقَهَا بِنَفْسِهِ فَيُسْقِطُ مِنْهَا سَهْمَ التَّفْرِقَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْ عُمَّالِ الصَّدَقَاتِ مَنْ يُفَرِّقُهَا فَيَأْخُذُ مِنْهَا سَهْمَ التَّفْرِقَةَ.

.فصل [فيما إِذَا عَدِمَ بَعْضَ الْأَصْنَافِ الثمانية لمصارف الزكاة أيُسْقِطُ سَهْمَهُمْ بِعَدَمِهِمْ؟]

فَأَمَّا إِذَا عَدِمَ بَعْضَ الْأَصْنَافِ الثمانية لمصارف الزكاة أيُسْقِطُ سَهْمَهُمْ بِعَدَمِهِمْ؟ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْدُمُوا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ فَيُسْقِطُ سَهْمَهُمْ بِعَدَمِهِمْ، وَيُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْبَاقُونَ مِنَ الْأَصْنَافِ خَمْسَةً قُسِّمَتِ الزَّكَاةُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ، وَإِنْ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ قُسِّمَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِكُلِّ صِنْفٍ سَهْمٌ. فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِثَلَاثَةٍ فُقِدَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَرُدَّ سَهْمَهُ عَلَى مَنْ وَجَدَ؛ فَهَلَّا كَانَتْ سِهَامُ الْأَصْنَافِ هَكَذَا، قِيلَ: لِأَنْ لَيْسَ لِلصَّدَقَاتِ مَصْرِفٌ غَيْرَ الْأَصْنَافِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُرَدَّ سَهْمُ الْمَفْقُودِ عَلَيْهِمْ وَالضَّرْبُ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَلِمَالِ الْمَيِّتِ مَصْرِفٌ غَيْرُ أَهْلِ الْوَصَايَا فَلَمْ يُرَدَّ سَهْمُ الْمَفْقُودِ عَلَيْهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَعْدُمُوا فِي بَلَدِ الْمَالِ وَيُوجَدُوا فِي غَيْرِ الْبِلَادِ، فَيَنْقَسِمُ حَالُ مَنْ عُدِمَ مِنْهُمْ فِي بَلَدِ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُنْقَلُ سَهْمُهُمْ، وَقِسْمٌ لَا يُنْقَلُ سَهْمُهُمْ، وَقِسْمٌ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نَقْلِ سَهْمِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ يُنْقَلُ سَهْمُهُمْ إِلَى الْبِلَادِ الَّتِي يُوجَدُونَ فِيهَا فَهُمُ الْغُزَاةُ، يُنْقَلُ سَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ الْمَصْرُوفُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَلَدِ الْمَالِ الَّذِي فُقِدُوا فِيهِ إِلَى الْبِلَادِ الَّتِي يُوجَدُونَ فِيهَا مِنَ الثُّغُورِ وَغَيْرِهَا: لِأَنَّهُمْ يَكْثُرُونَ فِي الثُّغُورِ وَيَقِلُّونَ فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يَكْتَفُوا بِسَهْمِهِمْ مِنْ صَدَقَاتِ بِلَادِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُنْقَلُ سَهْمُهُمْ فَهُمُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا: لِأَنَّهُمْ إِذَا قَعَدُوا قَامَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ مَقَامَهُمْ فِيهَا، وَلِأَنَّ سَهْمَهُمْ يَسْقُطُ مَعَ الْحُضُورِ إِذَا لَمْ يَعْمَلُوا، فَكَيْفَ بِهِمْ إِذَا قَعَدُوا؟ وَأَمَّا مَنِ اخْتَلَفَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي نَقْلِ سَهْمِهِمْ فَهُمْ بَاقِي الْأَصْنَافِ وَفِيهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُنْقَلُ اعْتِبَارًا بِتَغْلِيبِ الْمَكَانِ عَلَى الصِّنْفِ وَيُقَسَّمُ عَلَى مَنْ وُجِدَ دُونَ مَنْ فُقِدَ كَمَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ الْمَاءِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِمَكَانِ عَدَمِهِ، وَيُعْتَبَرُ حَالُ ابْنِ السَّبِيلِ بِمَكَانِ حَاجَتِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُنْقَلُ اعْتِبَارًا بِتَغْلِيبِ الصِّنْفِ عَلَى الْمَكَانِ فَيُنْقَلُ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا مَنْ فُقِدَ مِنَ الْأَصْنَافِ: لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَصْنَافِ لَهَا ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَاخْتِصَاصَ الْمَكَانِ بِهَا ثَابِتٌ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِذَا تَعَارَضَ كَانَ تَغْلِيبُ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيبِ مَا ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.